شباب اليمن وفتياته.. من المدرسة إلى “الكوشة”

يعيش الشاب عبدالكريم (18 عامًا) حياةً قاسية في إحدى قرى مديرية جبل حبشي بمحافظة تعز، بعد أن غادر مقاعد مدرسته واستبدلها –رغما عنه– بـ”كوشة الزواج.
يقول عبدالكريم بأسى: “كنت أتمنى أواصل دراستي، لكن أبي قرر تزويجي”.
لم يكن الأب ضد فكرة دراسة ابنه تمامًا، إنما وجد الزواج حلًا مناسبًا يمنع نجله من الذهاب إلى جبهات القتال، والتي انساق نحوها معظم شباب المنطقة، لا سيما مع تعثر التعليم خلال الحرب.
لم يدر والد عبدالكريم أنه سيفتح جبهة أخرى لابنه تتمثل في الزواج ذاته، يقول عبد الكريم معبرًا عن ذلك: “الآن ما أشوف فرق بين الجبهة والزواج”.
في المقابل، يعاني أصيل، طالب صيدلة، (20 عامًا)، من ضغوط عائلية هو الآخر تجبره على الزواج، رغم رغبته في استكمال تعليمه.
يقول أصيل: “أصدقائي اللي تزوجوا بمثل سني يعانون من مشكلات أسرية ومالية، حتى أنهم نصحوني بتأجيل الزواج ومواصلة دراستي”.
ومع تضاعف التحديات الاقتصادية والمعيشية جراء الانقسام المالي بين صنعاء وعدن، إلى جانب غياب فرص التوظيف وانخفاض الأجور؛ يستمر تخبط أصيل بين الضغوط العائلية التي تسعى لفرض قرار الزواج، وخوفه من المستقبل الغامض الذي قد يضمنه استكمال دراسته الجامعية.
معاناة عبدالكريم وأصيل تعكسان واقعًا مريرًا تعاني منه آلاف الأسر اليمنية؛ نتيجة قرارات يُنظر فيها للزواج بأنه حل لمشكلات الحرب والفقر.
فالظروف الاقتصادية والاجتماعية قاسية دفعت بالمجتمع نحو ترسيخ ممارسات تزيد من معاناة الشباب، وتأخذ أبعادًا لا تطال النساء والذكور وحسب، بل تتعمق مستقبلًا لتشمل الأبناء.
الزواج كحل مؤقت
على النقيض من ذلك، يرى صادق، وهو والد لأربعة أبناء، أن زواج الأبناء المبكر يعد قرارًا حكيمًا يُسهم في تحسين وضع الأسرة الاقتصادي، وحسب قوله: “التعليم ما يأكل عيش، فالزواج أحسن مدرسة للحياة”.
بالرغم من معاناة الذكور من تبعات الزواج المبكر، إلا أن الفتيات اليمنيات يتحملنّ العبء الأكبر في مثل هذه القرارات.
حول هذا تقول الباحثة في علم النفس إنصاف محمد: “الفتيات في بلادنا يدفعنّ ضريبة الزواج المبكر باهظًا، أقساها الحمل المبكر الذي قد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة، بالإضافة إلى الحرمان من التعليم، وزيادة العنف الأسري”.
وتوصلت دراسة حديثة تحمل عنوان: الزواج باستثناء سياسات زواج الأطفال إلى أن هناك تباينًا كبيرًا في معدلات انتشار الظاهرة بين البلدان.
وأشارت إلى أنه خلال العشر السنوات الأخيرة هناك ارتفاع في معدلات زواج الأطفال في بلدان محددة مثل اليمن 32 %، العراق 24 %، ومصر 17 %.
أما فيما يخص إرغام الأبناء على الزواج وما يترتب عليه، ترى إنصاف أن قسر الأبناء وإجبارهم على الزواج يحمل معاناة أعمق حتى إن كانوا أهلًا له.
ويظهر هذا في قضايا الخلع والمشكلات الأسرية لحديثي الزواج، حيث تجبرهم عائلاتهم على تحمل مسؤوليات تفوق أعمارهم ورغباتهم، بحسب إنصاف.
من المدرسة إلى “الكوشة”
مدير مدرسة في القرية نفسها، عبد الرحمن سعيد، يقول: هناك تراجع ملحوظ في معدل الالتحاق بالمدرسة مقارنة بالسنوات الماضية.
ويُرجع سعيد أسباب العزوف عن التعليم إلى الزواج المبكر بشكل رئيسي، لافتًا إلى أن الفقر والحرب والوضع المعيشي الذي تمر به البلاد، أسبابٌ مجتمعة دفعت أولياء الأمور إلى تزويج أولادهم تيمنًا بعادات وتقاليد اجتماعية تُصور الزواج حلًا، بصرف النظر عن تبعاته”.
من جهته، يحذر ممثل منظمة اليونيسف في اليمن، بيتر هوكينز منتصف أيلول/سبتمبر 2024، من وجود 4.5 مليون طفل يمني خارج المدرسة، ما يعني أنه “في غضون ما بين 5 – 10 سنوات، ربما يكون الجيل القادم أميًا، ولديه القليل جدًا من المهارات الحياتية”.
في السياق، لفت نائب مدير عام مكتب الشؤون الاجتماعية في تعز، دكتور محمود البكاري، إلى أن الزواج المبكر ينتج مشكلات متبانية، سواءً للذكور أو الإناث.
ويضيف أن هذه الممارسات لا تقتصر على حرمان الأطفال من حقهم في التعليم والتطوير، بل تفرض عليهم أعباءً ومسؤولياتٍ تفوق أعمارهم وقدراتهم نفسيًا واجتماعيًا.
مشكلات يعززها القانون
وفي بحث أجرته “tiny hand على القوانين في البلدان العربية المتعلقة بتحديد الحد الأدنى للزواج؛ تبيّن أن قانون الأحوال الشخصية في اليمن لا يضع حدًا أدنى للزواج.
وهو الأمر الذي أدى إلى زواج فتيات بعمر 8 أعوام، وجاء معدل زواج الأطفال في اليمن كأعلى نسبة بين الدول العربية.
وفي هذا الصدد، أشار المحامي والاختصاصي القانوني “أسامة الشقري” إلى أن الإشكالية القانونية المتعلقة بزواج الأطفال في اليمن تعود إلى ارتباط التشريعات الوطنية بالموروث الديني والعرف اللذين لم يحددا سنًا للزواج.
ويرى الشقري أن هذا التفسير الديني يمثل عائقًا كبيرًا أمام الجهود المبذولة لتشريع قوانين تحمي الأطفال من الزواج المبكر.
وأوضح الشقري أن الفقهاء غالبًا ما يرفضون مناقشة فكرة تحديد سن محدد للزواج، وعادةً ما يستندون إلى نصوص دينية.
لكنه يوضح أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية اليوم تختلف تمامًا، ما يجعل استمرار الظاهرة انتهاكًا لحقوق الطفل ومصدرًا لعواقب نفسية وصحية واجتماعية خطيرة.
آملًا بإيجاد توافق بين أحكام الشريعة ومبادئ حقوق الإنسان لضمان حماية الأطفال من هذه الممارسات وما يترتب عليها.
ثلاثية الأوجاع
الحرب من جهة والفقر والجهل من جهة أخرى، ثلاثية الأوجاع التي تلاحق الأجيال في اليمن، إلى جانب أعباء اجتماعية تدفع بأطفالها إلى الزواج المبكر، مما تدفن أحلام طفلة بأن تصبح طبيبة تحت أنقاض العادات والتقاليد، ويُحرم صبيًا من حقه في اللعب والتعلم وانتظار الفرص، ويدفعه لتحمل أعباء تفوق طاقته.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز دور وسائل الإعلام في دعم قضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي.
تعليق واحد